في أي نقاش حول تحقيق الدخل من صناعة المحتوى، غالبًا ما يتفوق الرأي القائل بأن التفاهة هي الطريق الأسرع والأسهل نحو الشهرة والربح. ورغم كثرة الأدلة التي تدعم هذا الرأي في الواقع، لكني لا أرغب في مناقشة صحته أو ما إذا كان النموذج الوحيد لتحقيق الدخل. على العكس، سأسعى في هذا المقال إلى طرح حلول وأفكار عملية لنفسي وللطامحين إلى تقديم قيمة حقيقية وإضافة ملموسة للجمهور، سواء كانوا صحفيين أو صناع محتوى أو مؤسسات إعلامية.
الأسبوع الماضي، حضرت ملتقى نظمه معهد الجزيرة للإعلام بعنوان "الإعلام العربي والجنوب العالمي". وخلال إحدى الجلسات حول تمويل الصحفيين والمشاريع الإعلامية، أثار النقاش في ذهني مجموعة من الأسئلة حول فرص تحقيق الربح من صناعة المحتوى، سأشاركها معكم وأحاول من خلالها تقديم بعض الأفكار للإجابة على سؤال: كيف أحقق دخلًا مستدامًا من الإنترنت؟
- كيف يمكننا الموازنة بين إنتاج محتوى عالي القيمة ومفيد للجمهور وبين الانجراف نحو التسطيح والمحتوى القصير لإرضاء الخوارزميات؟
- هل يمكن لصناع ومقدمي المحتوى الهادف تحقيق دخل مستدام من صناعة المحتوى؟
- كيف يمكن الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي في تحقيق الدخل بطرق فعالة تحقق الاستدامة؟
البداية من الإتقان: هل نقدم أفضل ما لدينا؟
قبل أن تشكو من عدم تحقيق الدخل من محتواك، يجب أن تسأل نفسك بصدق: هل تقدم أفضل ما لديك؟ هل الأفكار التي تطرحها تستحق اهتمام ووقت الجمهور؟ الجمهور يمنحك أثمن ما يملك وهو وقته، سواء كانت الثواني التي يقضيها في مشاهدة محتواك على إنستجرام أو الدقائق التي يخصصها لقراءة نشرتك البريدية أو مقالك. هل محتواك جدير بجذب انتباهه؟ لذلك، ينبغي على صانع المحتوى أن يلتزم بالتفاني والإخلاص لاستحقاق هذه اللحظات الثمينة من جمهوره.
تجربة بلال فضل
قبل عدة أشهر، ظهر الصحفي المصري بلال فضل في صورة جديدة كصانع ومقدم محتوى مرئي على قناته في يوتيوب. وأثارت تجربته اهتمامًا واسعًا وأصبحت حديث الكثيرين، حتى أن مؤسس إذاعة ثمانية، عبدالرحمن أبومالح، أشار إليها كتجربة رائدة تُظهر أن الجمهور العربي على استعداد لدفع المال مقابل المحتوى الجيد، على العكس مما يشاع. كانت تجربة بلال فضل ناجحة للغاية، بلال نفسه أكد أكثر من مرة أنه يشعر بحرية كبيرة وامتنان تجاه جمهوره، الذي حرره من ضغوط المؤسسات وأتاح له التعبير بحرية دون الخوف من الرقابة.
هل نحفز الجمهور بالقدر الكافي؟
تجربة بلال فضل وغيرها من تجارب مقدمي المحتوى تدفعني للتساؤل حول مدى قدرتنا على إلهام الجمهور لدعم محتوانا، سواء من خلال الالتزام به أو من خلال الاستفادة المباشرة. عندما نتحدث عن الالتزام، نعني أن الجمهور يدعم المحتوى لأنه يرى فيه قيمة عامة ويؤمن بضرورة استمرار صانع المحتوى أو المؤسسة في أداء رسالتها. أما الاستفادة المباشرة، فتتمثل في حصول الجمهور على محتوى حصري مثل المقالات أو مقاطع الفيديو. في النهاية، يعتمد كل شيء في هذا العالم على مبدأ المنفعة المتبادلة، والجمهور ليس ملزمًا بدعمك دون مقابل. لذا، يبرز هنا التساؤل حول مدى قدرتنا الفعلية على إشراك الجمهور وتحفيزه على تقديم هذا الدعم، سواء من خلال إشعاره بأنه جزء من هذا المشروع وهذه الرحلة، أو من خلال منحه استفادة مباشرة.
كيف تعمل المنصات الرقمية لدعم صناع المحتوى؟
النقطة الأخيرة التي أود مناقشتها تتعلق بفهمنا لآليات عمل المنصات الرقمية. كم من صناع المحتوى يعرف فعليًا كيفية تفعيل آليات الربح على تويتر، فيسبوك، يوتيوب، وتيك توك؟ ليس المقصود هنا مجرد معرفة أن هذه المنصات تتيح تحقيق أرباح، بل السؤال هو: هل قمت بالفعل بتفعيل هذه الميزات؟ هل جربت إشراك جمهورك في هذه العملية؟ وهل أنشأت محتوى خصيصًا بهدف تحقيق الربح من خلال هذه المنصات؟ وهنا لا أتحدث عن بيع الخدمات أو المنتجات، بل عن تحقيق الربح من خلال صناعة المحتوى نفسه.
أود أن أنظر إلى صناعة المحتوى كرحلة مستمرة تتطلب التفاني والإبداع والصبر. صحيح أن الطريق إلى الربح المستدام مليء بالتحديات، ولكن من خلال تقديم محتوى ذي قيمة حقيقية، وإشراك جمهورك في هذه الرحلة، واستغلال الفرص التي توفرها المنصات الرقمية بذكاء، يمكنك أن تحقق النجاح الذي تطمح إليه سواء كفرد أو كمؤسسة.
تذكر أن النجاح في هذه الرحلة ليس مجرد تحقيق دخل، بل هو بناء علاقة قوية مع الجمهور، وتقديم محتوى يعبر عن قيمك ورؤيتك، والتحرر من قيود التسطيح التي قد تفرضها الخوارزميات. والإجابة على السؤال: "هل يمكن تحقيق ربح مستدام من صناعة المحتوى؟" تكمن في الإصرار على تقديم الأفضل، وفي القدرة على تحويل التحديات إلى فرص.
التعليقات
لا يوجد أي تعليقات لعرضها.
تسجيل الدخولمقالات أخرى
تعرف على فريق عملي ورواتبهم
عندما تعمل بمفردك، تكون المسؤوليات مضاعفة. في نموذج العمل الخاص بي، أنا المدير، وصانع المحتوى، والناشر، والمصمم، ومسؤول التواصل، ومدير التسويق، والمنسق.. تقريبا أقوم بكل المهام.في المقالات السابقة، نا
19/12/2024الشغف يحرك الهواة والمسؤولية تحرك المحترفين
في إحدى حلقات بودكاست "بدون ورق"، قال الضيف عبارة تركت أثرًا عميقًا في نفسي:"الشغف يحرك الهواة، المسؤولية تحرك المحترفين، الفضول يحرك العباقرة."قبل سماعي لهذه العبارة، كنت دائمًا أصف نفسي كشخص يعمل بد
14/12/2024أدواتي للسيطرة على الوقت
هل شعرت يومًا أن الوقت يهرب منك دون تحقيق كل ما تخطط له؟ العمل الأونلاين قد يكون الحل إذا تمت إدارته بذكاء، وهذا ما سأشاركه معكم اليوم!هذا هو المقال الثاني في سلسلة العمل المرن، حيث أشارككم تجربتي الش
09/12/2024